الوظيفة الأخرى للطاولة التعليمية مقاربة سوسيولوجية لظاهرة الكتابات الغرافِيتِيَة
الملخص
يتموقع مقالنا -المتواضع- ضمن مجموعة مقالات نَرُوم نشرها مستقبلا، تتعلق بظاهرة اجتماعية معاصرة في غاية الأهمية، العلمية والعملية، ألا وهي، ظاهرة "الغرافيتيا" (Graffiti) بالمجتمع الجزائري عامّة، والمجتمع الطلابي (الجامعة) خاصة. نركّز في مَتن هذا المقال على ملخص مطول، لأهم الفئات الغرافيتية التي خلصنا إليها في دراستنا السابقة حول هكذا ممارسة، وفعل اجتماعي.
بدايةً، يتميّز الإنسان عن غيره من الكائنات الأخرى بنسق معقد ومركب من الرّموز، والإشارات والدّلالات، وعالم الرّموز لديه يمثل عودة إلى صميم كينونته، لأنّه يحتاج لما اِمتلأت به نفسه من توترات واضطرابات، وقلق وأزمات، للتّعبير عنها، بمختلف الكيفيات والأنساق والوسائل. ومن ثمّ، كانت الكتابة باختلاف أنواعها وأشكالها، من أهم الممارسات والظّواهر الاجتماعية التي عرفتها المجتمعات الإنسانية قديماً وحديثًا، ومن بين الوسائل التّعبيرية التي من خلالها يستطيع التّعبير والتّنفيس عمّا بداخله.
المراجع
تذكر الأدبيات التاريخية والسوسيولوجية أن أول مقاربة عملية للمفهوم، كان على يد الباحث "آبي كاروسي Abbé Garruci"، وأن أول عمل أرَّخ وحلّل ظاهرة الغرافيتيا بلونها المعاصر في بعدها اللغوي، يعود للباحث اللغوي الأمريكي "ريد Read ".
يصف "ألان ميلون Alain Milon" الغرافيتيا على أنها تعبير عن "روح المدينة"، غالبًا ما يُنظَر إليها على أنها ممارسة غير شرعية (غير قانونية)، تصدر من شخص متمرد، بل يمكن اعتبارها جُذامُُيغزو و يحتل جدرانها"&.
&Raymonde Séchet, "Le populaire et la saleté :de l’hygiénisme au nettoyage au karcher", UMR 6590 CNRS ESO, Université Rennes 2, p7.
بلغة الباحث في علم الاجتماع "عبد الرحيم العطري" مناطق الظِّل و العَتَمَة في المجتمع.
يعتقد الباحث"Ben" كغيره من الباحثين (A.Vulbeau")، أن الغرافيتيا تعبر عن المُطالبة والبحث عن الاعتراف بكينونة الفاعلين.
في وقت تعالت أصوات العديد من الباحثين حول "أزمة القيم" التي يعيشها مجتمعنا.
كما يروج له بعض من يعتمد على الحس المشترك في مقاربة الظاهرة.
على المستوى المحلي، تعتبر أحداث أكتوبر 1988، وقبلها، أحداث الربيع الأمازيغي الأول 1981، بالإضافة لأحداث 2001، بذات المنطقة، وأحداث جانفي 2011، العنف في الملاعب،"المأساة الوطنية،...، من أقوى الدّلائل.
"دومينيك رينيي" منسق تحرير : التقرير العالمي للشباب 2011: قيم و اتجاهات الشباب العالمي. ( La jeunesse du monde :enquête planétaires 2011).
إذ كثيرا ما لازمت النّظرة القَيمِيَة المعيارية الممارسة الغرافيتية، حتى بالمجتمعات الغربية مَهد ميلادها، كظاهرة بحثية، مما جعلها نَسياً مَنسِيًا على مستوى المحتذى المعرفي، خاصة السوسيولوجي.
Robert George Reisner, Lorraine Wechsler, "Encyclopedia of Graffiti ",New York, Macmillan, 1974.
الـمُغَرْفِت Graffeur: الطالب الـمُمارِس للكتابة الغرافيتية.
يتميز 'الفعل الاجتماعي' حسب "ماكس فيبرM. Weber " رائد السوسيولوجيا التَّفَهُمِية، بمقاصد و دلالات ذاتية يتعيّن إدراكها لدى الفاعل المعني من جهة، كما يتميز بخاصية البَين ذاتية نظراً لارتباطه بسلوك الغير.
LAROUSSE, Dictionnaire Encyclopédique Illustré, 1998, p .707.
اسمه الحقيقي Gyula Halász""، ((1899 – 1984، روماني الأصل، متخرج من مدرسة الفنون الجميلة ب "بُوداباسْت"، سافر إلى ألمانيا ثم فرنسا 1924، عمل صحفيًا، ثم مصورًا وباحثًا. معتمدا على اسم مَسقََطِ رأسه"de Brassó"انتحل لنفسه كنية " Brassaï"، له العديد من المؤلفات من أشهرها: Paris de Nuit"، 1933 ، و" Graffiti"، 1960.
William MAC LEAN, Graffiti. Encyclopédia Universalis. Vol7, 1976, p 850.
أما "الغرافيتولوغ Grafitologue" فهو الباحث الذي يهتم بدراسة، تقنيات، تاريخ، مصطلحات، وفلسفة، وممارسي الغرافيتيا. اُستخدم لأول مرة في 'بروكسل' سنة 2003، من طرف"Monzon du Tas "- ممارس وباحث في الغرافيتيا- "خلال إحدى اللقاءات حول الظاهرة.
Glen D. CURRY& Scott H. DECKER& William P. MCLEAN.," GRAFFITI", Encyclopedia Universalis, 2011. (DVD).
نقصد بالوحدة الغرافيتية: كل كلمة أو جملة، أو رسم، أو رمز،أو صورة، ذات معنى مُحدد، كُتِبت منفصلة ومستقلة عن الوحدات الأخرى، من لَدُن الفاعلين على دعامات مُتعددة، بالفضاء الجامعي.
نظرًا لمتطلبات الكتابة (المَقالِية)،لن نخوض في إشكالية التّصنيف التي واجهت الدّارسين لظاهرة الغرافيتيا. لكن يمكن الرجوع إليها ضمن مبحث خاص ضمن متن رسالة الماجستير.
John Bushnell," Moscow Graffiti: Language and Subculture", Boston, Winchester Mass: Nuwin Hyman, 1990, 263 p.
Tony Cohan,"Street Writers: A Guided Tour of Chicano Graffiti", 1975.
Jane Gadsby, "Taxonomy of Analytical Approaches to Graffiti", 1995. http://www.graffiti.org/faq/appendix.html ,consulted: 22/02/2009.
Michel De Certeau, "L’Invention du Quotidien, Art de Faire", Paris, Union général d’éditions,1980,374p.
باِستثناء بعض كتابات المراحيض ( Latrinalia)* التي كُتِبَت بالبُرَاز.
*لاتريناليا Latrinalia (غرافيتياالمراحيض):المصطلح من نّحتِ العالم الأنثروبولوجي الأمريكي "ألاندنديز A .Dundes" لِتَوصِيف نوع من الغرافيتيا الخاصّة بالمراحيض أطلق عليه اسم (Latrinalia). في سياق دراسته حول غرافيتيا المراحيض العامة، والموسومة ب" Here I sit : A study of American Latrinalia"، لينتشر اِستخدام المصطلح من طرف العديد من الباحثين. من بينهم الباحث البرازيلي " Plaza Ranata Teixeira" الذي قارَب الظّاهرة من خلال مقارنته بين العديد من الكتابات الغرافيتية، التي جمعها من دول شَتَّى. وقد اِنتقد "إيرنست آبل Ernest Abell" هذا التعريف إذ يعتقد بأنه لا حاجة لنا بمصطلح جديد مادام جوهر المصطلح الذي أَورَدَه " أ. دنديزA. Dandes " يدل على الظّاهرة نفسها دون تداخلات جديدة.
تعمدنا كتابة المضامين الغرافيتية الطلابية كما وردت على الدّعامات، للحفاظ على معانيها المعبّرة، والتي تحتاج لاستجلاء أكثر.
يجب لفت الانتباه إلى تواجد أشكال أخرى تمزج وتخلط بين الأشكال الثلاثة لإيصال الرّسالة الغرامية.
سيتم تفصيل ذلك لاحقا، بعدما قاربنا الظاهرة في فضاءات ودعامات مجاورة، نوردها في متن دراستنا اللاحقة.
ظاهرة واسعة الحضور بالفضاء الجامعي، حتى بالجامعات الغربية، لكن بدرجات متفاوتة الانتشار.
مصطلحٌ مُستَقَى من رَحِم "الثقافة الطلابية".
نشرت صحيفة ""Daily Mirrorالبريطانية لشهر فيفري 2010، أن الوكالة البريطانية لمراقبة الامتحاناتOFQUAL" سجلت خلال السنة الماضية أزيد من 4500 محاولة غش، خلال امتحانات الشّهادة العامة للتعليم الثّانوي GCSE، وشهادة "المستوى أ A-Level" (التي تعادل شهادة الباكالوريا عندنا)، أغلب حالات الغش ( حوالي1897 حالة)، اُستخدمت فيها وسائل ممنوعة (الهواتف النقالة، الآلات الحاسبة، القواميس الالكترونية، والحوليات،..
الامتحان في اعتقاده وسيلة وليست غاية في حدّ ذاته، وسيلة لكشف مواطن القوة، ومواطن الضعف في العملية التربوية، بُغية تحسينها. ومقياس تعتمد عليه الدول والمؤسسات لتجيز للشباب الانتقال من مرحلة إلى مرحلة أعلى في السلم التعليمي، أو للدخول إلى الجامعة أو للمباشرة بوظيفة أو عمل.من هنا كان التناقض الذي حصل عمليا، وأصبح الامتحان غاية لا وسيلة، فأدى لانتشار أساليب الغش.
محمد حمود، "قراءة في الخطاب الهامشي..."، الحياة الثقافية/التونسية، وزارة الثقافة التونسية، عمزدوج67/68، 1994، ص44.
Jean Pierre Albert,"Etre soi : écriture ordinaire de l’identité",ed : BPI,1993, p .259.
Alexandra Saemmer& Moniaque Maza, " E-Formes:écriture visuelle sur supports numériques ", Publication de l’Université de Saint-Etienne: 2008, p. 66. (Google Books).
EmileBenveniste, "Problèmes de linguistique générale", Paris, Gallimard, 1975, p. 260.
Alain Milon, "Tag et Graff Mural, visage et paysage de la ville", Les Annales de la Recherche Urbaine, n° 85,pp.140-147.URL : http://www.annalesdelarechercheurbaine.fr/article.php3?id_article=238, consulté :11/09/2011.
يشير الباحث "محمد علي محمد" في دراسته، لدور ثقافة الشباب في إحداث نوع من الانفصال بين الشباب والمراهقين، وبين الشباب والكبار، مما أدى لتبلور ثقافات فرعية، تتصارع فيما بينها في كثير من الأحيان. من خصائص هذه الثقافة انطواءها على النقد و المعارضة.
على نحو ما حدث في إسبانيا في عهد " فرونكو Franco"، حيث لم يجد "الكاتالونين" سوى الملاعب للتّعبير والتحدث الحر بلغتهم الأصلية. نفس الأمر حدث سنة 1998 عندما انتصرت إيران على الولايات المتحدة الأمريكية، في مقابلة كرة القدم، إذ لم تتجرأ السلطات الإيرانية وقف آلاف المتظاهرون( رجالا ونساءً) عندما خرجوا للتعبير عن فرحتهم بالانتصار، عكس ما حدث في مناسبات أخرى، و ينسحب الأمر على العديد من البلدان( العربية والإفريقية ).
كرة القدم -حسب" ألان إرانبارغ Alain Ehrenberg "-ليست رياضةً فقط، بل وجهة نظر خاصة بالحياة".
Alain Ehrenberg, "Le culte de la performance", Paris, Calmann-Lévy, 1991, p. 55.
ويمكنها أن تُحدِث النقيض، تهدم أواصر التجاور والعيش المشترك، ولعل ظاهرة "العنف في الملاعب" أقوى مؤشّر.
Simon Kuper,"Football Against The Enemy" , Pub: Orion, 2011, 256.p*.
* كتاب مهم، يُلامِس علاقة الكرة (الساحرة المستديرة)، بالعالم الخارجي، علاقتها بالسياسة، بالاقتصاد، بالمجتمع،وبالتاريخ عامة. كما يصف– المؤلف-بدقة متناهية كيفية مساهمة كرة القدم (الأكثر شعبية في العالم) في اِسْتِوْقاد وشحن الثورات عبر العالم. تُرجِم الكتاب لعدّة لغات، من بينها اللغة العربية حيث ترجمه الكاتب الأردني " الدكتور خليل راشد الجيوسي" تحت عنوان "الكرة ضدّ العدو".
Mignon Patrik, Marty Pierre, " La Musique forme la jeunesse", ANIM’Magazine, No45, janvier, 1999, pp.20.23.
تَتَيُّمٌٌ، جعل أحدهم يكتب على جدار " قٌـمْ لـلـمغـنِّـيْ وفِّيهِ التَّصفِيرَا كاد المغنِّيْ أن يكون سفيرا".
نذكر أننا تعمدنا نقل الوحدات بأخطائها للحفاظ على مصداقيتها.
Brahim Hadj Slimane,"Musique Algérienne", dans : Algérie, histoire, société et culture", (Ouvrage collectif), coordination, Hassan Ramaoun, Algérie, Alger, CASBAH édition, 2000, pp. 280-299.
أوردناها بأخطائها اللغوية حفاظاً على دلالاتها الممكنة.
Alain Milon," L'étranger dans la ville - Du rap au graff mural",(Coll. Sociologie d'aujourd'hui), Paris, PUF, 1999,145p.
محمد حمّود،"قراءة في الخطاب الهامشي"، كتابات معاصرة، العدد 22، 1991.
Jean Baudrillard, 'Kool Killer ou l'insurrection par les signes', L'échange symbolique ou la mort, Paris, Gallimard, 1976, pp.128-138.

